رحلة إندونيسيا (١) - ٢٠٢٥م
لم يسبق لي أن غادرتُ أرض الوطن، وأبعد مسافة وصلتُ إليها من أرض التهائم كانت إلى مدينة الخبر، وذلك في مهام عمل محددة. لكن بعد أيام عمل شاقة مرّت بي منذ بداية هذا العام الهجري وحتى نهاية شوال، قررتُ أن أمنح نفسي إجازةً طويلةً وبعيدة؛ لألقي عن كاهلي غبار العمل، وأكافئ نفسي برحلةٍ تجدد نبض القلب.
سددتُ المخالفات المرورية وأصدرتُ جواز السفر، وأنا لا أعلم بعد أين ستكون الوجهة! كل ما كان يهمّني أن أسافر… أن أتخفف من روتينٍ أثقل روحي، وأن أرى العالم بعينين متجددتين.
وكان القدر يخبئ لي رحلةً إلى إندونيسيا… لم تكن تلك البلاد ضمن خياراتي الأولى لهذه الإجازة؛ فقد كنت أميل إلى (مصر – تركيا) أو حتى إلى رحلة استرخائية عبر الكروز إلى شرم الشيخ أو العقبة. لكن كما يقال: “ما كُتب لك، سيأتيك.”
عادةً ما أحب السفر وحيدًا داخل المملكة، أتنقل بخفةٍ بين الأمكنة، أستنشق رائحة المدن وأسافر في شوارعها بلا دليل. أما السفر إلى الخارج وحيدًا ولأول مرة، فقد كان أمرًا مقلقًا؛ وبطبيعتي الحذرة، لم أجرؤ على هذه المغامرة وحدي. فبدأتُ أبحث عن رفقاء للرحلة؛ فالرفيق قبل الطريق، كما يقول المثل.
وقع الاختيار على أشقائي، الذين شجعتهم على السفر وأخذ قسطٍ من الراحة، حتى وإن كنتُ في نظر زوجاتهم في “القائمة السوداء”! وافقوني الرأي، وبدأنا نحدّد الوجهات ونرسم خرائط الحلم. وبحكم أن أحدهم قد زار إندونيسيا ما يقارب عشر مرات، استقر الرأي على أن تكون هي وجهتنا؛ لما تتمتع به من سحر الطبيعة وطيبة أهلها، فضلًا عن فارق العملة الذي كان في صالحنا 😄. وهكذا بدأنا رحلة التخطيط والحجز، بين تواريخٍ تُحجز وأمنياتٍ تُسطر، استعدادًا لرحلةٍ كنا نأمل أن تكون استراحةً للروح.
عدتُ منها قبل ليلتين. لا أعلم إن كان هناك ما يسمى باكتئاب ما بعد السفر، لكنني أشعر كأنه يحاول التسلل إليّ خلسةً، فأخادعه بشعور العودة إلى المنزل، والمكتبة، وروتيني الهادئ الذي أحبّه هنا.
قررتُ أن أوثق هذه الرحلة كتابةً، محاولةً لإيقاظ جذوة الكتابة في داخلي أولًا، ولعلها تصل إلى قارئٍ يبحث عن ملاذٍ أو عن رحلةٍ يكافئ بها نفسه، فتكون هذه الدولة القابعة في الشرق الآسيوي وجهةً له.
سأحاول، بقدر ما تسعفني به ذاكرتي وذاكرة جوالي من لقطاتٍ ومشاعر، أن أصحبكم في رحلةٍ يوميةٍ عشتُها على مدى أربعة عشر يومًا في تلك البلاد الساحرة؛ المكتظة بالدهشة، الهادئة كابتسامة المساء.