أقاصيص السابع من نوفمبر ٢
لنتحدث قليلاً .. بدايةً أعتذرُ لأنني توقفتُ فترةً طويلةً عن كتابتك.. فلم يعد ما بيننا يلهمني .. لعلّها كانت قاسيةً الكلمة! أنكِ لم تلهمينني.. غاب ذلك البريق عنك، وتلك الهالة التي أحطتك بها من البداية، كان الحديث الأخير بيننا مؤلماً حقاً.. عندما كان ما صنعته منك وعنك يتهدّم أمامي فجأةً، كنت أظن أن لكِ دائماً مبرراً لتلك الأفعال التي تؤذينني بها، ولكن الآن .. تغير كل شيءٍ تماماً.. بعد ذلك الحديثُ وجدتُك مجرد دمية.. حاولتُ تشكيلها في عقلي.. وصرتُ أُلهم نفسي من خلالك.. أكتبك، واقرأك.. وأحاول مواصلة الحياة من خلالك..
عندما اتضح كل شيء، كان ما بيننا ينهار.. كتلك الانهيارات الصخرية التي تنتظرُ لحظة مرور وعل لتدفنه تحت الصخور، انهار كل شيء فوقي.. كنت وحيداً تحت الانهيار، وحيداً مختنقاً والأمرُّ من ذلك أنني خائباً، عندما عرفتُ الحقيقة.. شعرتُ أن الانهيار تجمع فوق صدري.. وأجبرني على مشاهدة خيباتي المتتالية منك.. زواجك منه، انجابك، اسمك، عمرك.. حتى وجهك.. لا أعلم إن كان هو مزيّف أيضاً..
لماذا؟ ولعلّكِ تتساءلين كيف لي أن اسأل بعد مرور هذه السنوات.. لأنني عجزتُ عن إيجاد إجابة تجعلني أفسر ما حدث، اسوأ ما حدث هو أنني قضيت تلك السنوات ابحثُ عن اجابةً، هل تعرفين معنى أن يعيش المرء بحثاً عن إجابة؟ عن أن يشعر بأن العالم يتجاهله؟ يشعر بأن الكون كله يتآمر على أن يبقيه محتاراً. هل تعرفين معنى أن يعيش المرء محتاراً ووحيداً؟
هكذا كان كل شيء عندما قررتِ أخيراً الإنسحاب، أعرف تفاهة الأمر الآن بالنسبة إليك.. فتى.. وحيد.. مضطرب.. يهرب من واقعه بافتراض أوهام وتأويلات، وأنتِ تصارعين الحياة الحقيقية. الحفاظ على بيتك، طفلتك.. والصورة المثاليّة للزوجة. وأنا أتجوّل في حقول الحب وخيبات الحياة. والبكاء على ماضٍ، أعرف ردة فعلك حتماً بعد قراءة هذه الكلمات، وكأنه قد غيّركِ تماماً، جعل منكِ أنثى مختلفةً.. بدءاً من كلماتك، وعقلك.. فمع كل قبلة.. تموتُ فكرة وتحيا فكرة، مع كل لمسة، تموتُ ذكرى وتحيا ذكرى جديدة! ومابين القبلات اللمسات.. أموتُ أنا .. ويحيا هو!
"استرجل" الكلمة التي تقولينها الآن وأنتِ تقرأين تلك الكلمات، نعم.. بمقاييسك الجديدة، النحيبُ عليك.. ضعف، وقلّة رجولة.. وينبغي أن أخادع مشاعري وذكرياتي وعمري وأن أمارس دور الرجل اللامشاعري، الرجل الذي لا يبكي ولا يضعف، لكي يكون قوياً أمامك، جديراً بك، وبحبك، وبموافقتك عليه.. أن يكون لكِ زوجاً. عندما ينتحب الرجل.. يكون جديراً بالصفع والشتم والخداع لا بالحب والموافقة!
هل خطرت ببالك عندما قلتِ: نعم؟ هل رأيتني وأنا أقفُ بعيداً.. حزيناً ومحطماً تحت انهيار يتوسّد صدري؟ أم أنني كنت مجرد رقم في هاتفٍ قديم تملكينه؟ أو ذكرى في عقلٍ بدأ ينخل أفكاره ويشذبها من الذكريات الذابلة، هل كنتُ ذكرى ذابلةً بالنسبة إليك؟ من البداية؟ أو من اللحظة التي قلتِ فيها نعم؟ كم قبلةً استغرقتُ حتى غادرتك نهائياً؟ وكم طفلةً تحتاجين لكي أكون منفياً تماما؟