أقاصيص السابع من نوفمبر ٤
كان الموت في ذلك اليوم يزكم أنفي برائحته. كنت أعرف مرارته منذ طفولتي، حين زار منزلنا وأخذ أخي الصغير، ثم عاد لينسلّ خارجًا برفقة جدتي.
في ذلك اليوم، التقيته مجددًا. كان عالقًا في أنفي، رائحته تشبه الظلام! وإن كان للظلام رائحة، فهي رائحة الموت. لكنني كنت مريضًا بكِ حينها، فظننت أن الرائحة تخرج مني! هل كنت أموت؟ أم أنكِ كنتِ تقتلعين جزءًا منكِ من داخلي؟
كنت أسأل نفسي دائمًا: لماذا اخترتِ ذلك اليوم بالذات لإعلان قرارك؟ لماذا لم تنتظري حتى ينتهي ملك الموت من إعلانه أولًا؟ هل كان بينكما اتفاق على الجثو فوق صدري في آنٍ واحد؟
لم أبكِ. هل قرأتِ كل تلك الرسائل التي كنتُ فيها أنوح؟ كانت كلمات رجل لم يذرف دمعة واحدة، لم تتجمع في عينيه عبرة. وكأنني كنت مستعدًا، لكن الحقيقة أنني لم أكن كذلك. كيف أفقدكما في يومٍ واحد؟ أنتِ التي اخترتِ الرحيل، وهي التي اختارت البقاء بجواري حتى النهاية!
لم تكن فائضةً عن الحاجة، بل كانت الحاجة إليها أشد مما يُقال. كنتُ أحتاجها، والبيت، والفقراء، وعامل المخبز، وأخواتها، وأمي، وإخوتي.. كلنا كنا في حاجتها. أما أنتِ، فكنتِ الفائضة عن الحاجة! أردتِ البطولة بين رجلين: صديق أو عشيق وزوج! لم ترضي بدورٍ واحد، ولم تكتفي بوجودك كما هو، بل سعيتِ إلى أن تكوني قمرًا ثانيًا، شمسًا أخرى.. لكن من يحتاج شمسًا ثانية؟ لا أحد. كذلك الحياة لم تكن بحاجة إليكِ! وأظنكِ أدركتِ ذلك، فبحثتِ عن البطولة في رجلين.
لم أبكِ. لم يكن أمامي سوى الصمت أمام طوفان الصدمات هذا. في ذلك اليوم، لم أكن أعيش مشاعري بقدر ما كنت أحاول فهم الحياة. إن كنتِ قد قررتِ مسبقًا أن تتركيني، وإن كانت قد قررت مسبقًا أن تعبر الطريق، لماذا اجتمع كل ذلك في هذا اليوم تحديدًا؟ هل هو محض صدفة؟ أم أن مؤامرةً في عمق الحياة تُحاك ضدي؟ قد تضحكين الآن من هذا التفكير البارانويدي، لكن لشخص في مثل حالتي، كيف له ألا يفكر بذلك؟
كنت مهووسًا بالفهم في ذلك اليوم أكثر من أن أعيش الألم ذاته. والآن، بعد أربع سنوات، ربما تدركين لماذا أكتب لكِ هذا…